هذه رسالة من رمضان يبين فيها بعض الأشياء التي يعلمنا أيها ، يقول فيها :- أحبابي الصائمين :- السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :- هذه رسائلي إليكم :-
الرسالة الأولى :-
أنا شهر الصبر :- وأنا جدير أن أسمى بشهر الصبر ، فأنا أجعل الصائم يصبر فيّ تسعة وعشرين أو ثلاثين يوما على الامتناع عما يصعب الكف عنه ، وأعظمه الطعام والشراب ومجامعة الزوجة , ولا شك أن الصبر عن هذه الأمور في هذه الأيام المتوالية.
من أهم مجالات تدريب النفس على الصبر على أوامر الله بفعلها ، وعلى نواهي الله بتركها ، في هذا الشهر وغيره ، والصبر عدة المؤمن التي ينال به الرضا بقضاء الله ، فعندما يبتلى في نفسه وأهله وماله.
وهو من المبشرين بهدى الله ، وأن تغشاه رحمته ، ويحظى بصلواته عليه ، كما قال تعالى :- ( ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين * الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون * أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون ) سورة البقرة 155-157.
والمؤمن وحده هو الذي يحظى بالخير في سرائه وضرائه ، بما منحه الله من الصبر على الحالتين ، كما في حديث صهيب رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :- ( عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير ، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن ؛ إن أصابته سرّاء شكر ؛ فكان خيراً له ، وإن أصابته ضرّاء صبر ؛ فكان خيراً له ) . رواه مسلم
الرسالة الثانية :-
أنا شهر الاتصال والتواصل الاجتماعي : وفى حياتكم هذه حيث ظروف الحياة القاسية يفقد الاتصال أو يضعف فآتى أنا حيث التزاور والتراحم ، وصلة الأرحام من الضرورات التي ينبغي على المسلمين القيام بها.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه ) رواه البخاري ، ومما يحسن فعله مع الأقارب : أن يقبل الإنسانُ أعذارَهم إذا أخطأوا واعتذروا ، ومن جميل ما يذكر في ذلك ما جرى بين يوسف عليه السلام وإخوته.
فلقد فعلوا به ما فعلوا ، وعندما اعتذروا قَبِلَ عُذْرَهُم ، وصَفَحَ عنهم الصفحَ الجميلَ ، فلم يقرِّعْهم ، ولم يوبِّخْهم ، بل دعا لهم ، وسأل الله المغفرة لهم ، فعلى الإنسان أن يصفح عن أقاربه ، وينسى معايبهم ولو لم يعتذروا ، فهذا دليل سمو النفس ، وعلو الهمة .
الرسالة الثالثة :-
أنا فرصة التوبة :- وذلك لِما يسر الله تعالى فيّ من أسباب الخيرات ، وفعل الطاعات ، فالنفوس مقبلة ، والقلوب مشتاقة ، وأبواب الجنان تفتح ، وأبوب النيران تغلق ، ورب رحيم تواب أشد فرحا بتوبة عبده من الأم بملاقاة ولدها بعد الفراق ، وفرص العبادة متعددة ، والأجور مضاعفة.
ولله في كل ليلة من ليالىّ عتقاء من النار ، وفيّ ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر . نعم أنا فرصة لفتح صفحة جديدة مع الله .
الرسالة الرابعة :-
أنا مدرسة تربوية :- يتدرب فيها المسلم المؤمن على تقوية الإرادة في الوقوف عند حدود ما أمر ربه في كل شيء ، والتسليم لحكمه في كل شيء ، وتنفيذ أوامره وشريعته في كل شيء ، وترك ما يضره في دينه أو دنياه أو بدنه من كل شيء ، ليضبط جوارحه وأحاسيسه جميعاً عن كل ما لا ينبغي بتدريبه الكامل ، ليحصل على تقوى الله في كل وقت وحين ، وفي أي حال ومكان .
الرسالة الخامسة :-
أنا شهر الإنجاز :- أغلب الناس يريد أن يغمض عينيه ويفتحهما فإذا هو في نعيم التغيير ، فالكثير من الناس يريد أن تحل مشكلته خلال ساعات ، فلذلك تجده يذهب للطبيب أو غيره لكي يصف له وصفةَ سحريةَ تُخرجه من هذا الجحيم إلى يعيش فيه إلى النعيم ، أما الصائم فيحقق إنجازاً كبيراً على مدة طويلة يدفعه على الثبات على التغيير.
فثلاثين يوماً من صيام النهار وقيام الليل وصلاة التراويح وتلاوة القرآن والذكر والصدقة ، وترك المعاصي والمحرمات ، ثم ترتفع الهمة في العشر الأواخر ، يا له من إنجاز عظيم يدفع إلى الثبات على التغيير .
الرسالة السادسة :-
أنا شهر الرحمة :- فأول حرف من أسمى الراء من الرحمة ، ففي يرحم الفقير الغنى ، والكبير الصغير ، ومما هو معلوم أن الرحمة خلق النجاة يوم القيامة يقول النبي صلى الله عليه وسلم :- ( إِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ ) متفق عليه.
وكان أويس القرني بعد أن يتصدق بما في بيته يدعو :- اللهم من مات جوعاً فلا تؤاخذني به ومن مات عرياناً فلا تؤاخذني به ، ويقول محمد بن الحنفية :- صاحب المعروف لا يقع ولو وقع لا ينكسر ..
الرسالة السابعة :-
أنا شهر تنظيم الوقت :- فهناك وقت للإفطار ووقت للإمساك ، دقة والتزام وتنظيم ، فأغلب الناس لا يُولي أهميةً للوقت وتنظيمه ، وبالتالي لا يولي أهميةً لحياته ؛ مع أن الوقت هو الحياة ، فالحياة عبارةٌ عن وقت يمضي فيمضي الإنسان ، فأنا أعلمكم التنظيم والدقة في أوقاتكم وأعماركم كلها .
الرسالة الثامنة :-
أنا شهر اتخاذ القرار :- فمن مميزاتي أن أعلمكم اتخاذ القرار، فمشكلة المشكلات عند الناس عدم اتخاذ القرارات ، فالإنسان القوي صاحب قرار، أما الإنسان الضعيف متردد ، والتردد لا ينشئ نفوسًا ضعيفةً فحسب بل يأتي بأمراض نفسية وجسدية ، فأغلب أمور حياتنا تعتمد على قرارات بسيطة ، فكل ثانية تمر في حياتنا فيها مجموعة قرارات.
كحركات يدك ورجلك ونبض القلب إلى غير ذلك ، كل ذلك قرارات يتخذها العقل بوعي أو من غير وعي في الدقيقة والثانية بل وجزء من الثانية ، فالتردد في مثل هذه القرارات يعني مشاكل كثيرة نفسية وجسمية ، وأنا أعلمكم اتخاذ القرار من خلال المحافظة على نيتكم في الصيام فهذا يعود إلى اتخاذ القرار.
واتخاذ القرار قوة ، وإرادة الإنسان في الصيام تظهر كلما تجدد نيتك في الصيام وفى الإمساك والإفطار ، وباستمرارية حتى يتبرمج على اتخاذ القرارات .
الكاتب: أ. محمود القلعاوي
المصدر: موقع المستشار